فلسفة التشخيص والتجريد
الأبعاد السبعة
د.هاشم نصار
فلسفة التشخيص والتجريد فلسفة وضعها وأسسها الدكتور هاشم نصار ضمن نسق فكري يقوم على ثنائية يعبر فيها التشخيص عن الارتباط بالبعد البشري، والتجريد يعبر عن البعد الإنساني الروحي. أنسنة الآلة ورقمنة الإنسان امتداد لهذه الرؤية، حيث يلتقي الواقع المادي بالمعنى الروحي والفكري. هذه الفلسفة تسعى إلى تجاوز الانغلاق الديني والفكري نحو وحدة إنسانية قائمة على العدالة، الرحمة، والاعتراف بالتنوع وهي فلسفة تجيب على الأسئلة الوجودية بشكل قائم على فصل مبحث الله عن الوجود وتعالج القضايا المعرفية والقيمية بناء على ثنلئية التشخيص والتجريد وتؤسس لمفاهيم تجمع بين تراث الأولين وعلوم المتأخرين وهذه الفلسفة جاءت نتيجة أبحاث ودراسات بدأت منذ عام 2000 وسيتم نشرها بشكل مكتوب قريبا ان شاء الله.

فلسفة التشخيص والتجريد للدكتور هاشم نصار
تقديم أستاذ الفلسفة الإكلينيكية عصام أو اسنينة
تعلمت الكثير خلال رحلتي التعليمية في تخصص الفلسفة، وسافرت بين الفلسفات الشرقية القديمة من حكماء الشرق إلى مفكري العصر الحديث. بدأت الرحلة من الشرق، حيث الحكمة لم تكن ترفًا فكريًا، بل أسلوب حياة. فهناك، في الصين القديمة، وجدت كونفوشيوس يُعلّمني الانسجام الأخلاقي والانسياق مع طريق السماء، بينما يهمس لي لاوتسه بأن الحكمة تكمن في البساطة والسير مع الطاو لا ضده. ثم حملتني الريح إلى الهند، حيث البوذية والهندوسية تحدثانني عن الكارما والتحرر من دورة المعاناة، وعن البحث في أعماق الذات لاكتشاف الحقيقة المطلقة.
ثم جاءت المحطة الثانية: اليونان.. مهد الفلسفة الغربية، حيث سقراط يتساءل بأسلوبه الساخر: ما الفضيلة؟. ومن ثم يقودني أفلاطون إلى عالم المُثل حيث تسكن الحقائق المطلقة. وفي ظلّ شجرة زيتون، يكتب أرسطو عن المنطق والوجود، مؤسسًا لعقلانية ستظلّ حاضرة قرونًا طويلة.
ثم جاءت المحطة الثالثة: الفلسفة الإسلامية والوسطى، حيث أبحرتُ إلى عصور الحضارة الإسلامية؛ حيث الفارابي يربط العقل بالمدينة الفاضلة، وابن سينا يمزج الفلسفة بالطب والميتافيزيقا، والغزالي يشكّك ليتأكد، وابن رشد يُعيد للعقل مكانته في تفسير النصوص والوجود.
وبعدها جاءت المحطة الرابعة: عصر النهضة والتنوير، نعم لقد وصلتُ أوروبا، حيث ديكارت يشعل شرارة الشك المنهجي قائلاً: (أنا أفكر إذن أنا موجود)، وكانط يقيم صرحًا للعقل النقدي، محددًا حدوده وإمكاناته. ثم جاء سبينوزا وهيوم وروسو ليعيدوا تعريف الحرية، الأخلاق، والمعرفة.
ثم تحولت متشوقًا إلى المحطة الخامسة حيث الفلسفة المعاصرة. وأخيرًا، في هذه المحطة، استقبلني نيتشه بفكرة الإنسان الأعلى وكسر القيود الميتافيزيقية، وهيدغر بدعوته لفهم (الوجود)، بينما قدّم سارتر ودي بوفوار الفلسفة الوجودية بأبعادها الحرة والمسؤولة. أما اليوم، فالفلسفة تحاور العلم، التقنية، وعلم النفس في إطار ما بعد الحداثة، محاولةً فهم الإنسان وسط عالم سريع التحول.
وفي محطتي التي أنتظر أن أنطلق من خلالها إلى المحطات المستقبلية، حين عدتُ إلى ضفاف النهر، أدركت أنّ الفلسفة لم تكن يومًا مجرد أفكار، بل رحلة مستمرة لفهم الذات والعالم. من الشرق إلى الغرب، من الماورائيات إلى النقد والتحليل، تبقى الفلسفة جسرًا يعبر بنا نحو وعي أعمق ووجودٍ أكثر امتلاءً. فظهر لي حديثًا فيلسوف من العيار الثقيل، رغم أن العالم لا يعرفه حتى الآن، لكن عندي استطلاع واستقراء واستشراف للمستقبل بأن فلسفته ستغزو العالم بصورة أو أخرى.. الدكتور هاشم نصار، اسم سيكون له أثر عظيم في عالم الفكر والفلسفة، وذلك من خلال منهجه الموسوم بمنهج (التشخيص والتجريد)، والذي يسعى إلى تقديم تفسير عميق لكل المباحث التي سعت إليها الفلسفات عبر التاريخ، وأضاف مبحث جديد اسماه (مبحث الله). وهنا أعاد الفكر الإنساني بالبوصلة العقلية إلى فهم حقيقة الوجود، وما دوره في الحياة، بتناغم عميق بين الذاتية والكلية، بين الأنا والكل، بين الخلق والخالق، بين الحق والباطل.
أما منهجه الفلسفي (التشخيص والتجريد) فدعونا نقوم بزيارة سريعة إلى محطة منهج الدكتور هاشم نصار الفلسفي: ((فلسفة التشخيص والتجريد ملخص بسيط)):
تُعدّ فلسفة التشخيص والتجريد من أبرز الإسهامات الفكرية الأصيلة في المشهد العربي المعاصر. رائدها الدكتور هاشم نصّار وقد صاغها عبر سلسلة حلقات وحوارات في برنامجه الأبعاد السبعة | حوار وأسرار، لتشكّل جسراً متينًا بين الوعي الفلسفي، التأمل الديني، والتحليل العلمي للإنسان والوجود.
تعتمد الفلسفة على ثنائية جوهرية:
• التشخيص: عالم الصورة، الظاهر، القوانين، السلوكيات، التنظيم الاجتماعي، والتجسيد الواقعي.
• التجريد: عالم القيم، الروح، المعنى، المقاصد العليا، اللغة في بعدها الرمزي، والإنسان في جوهره الأخلاقي.
هذه الثنائية ليست تضادًا، بل تكامُلٌ يبيّن أن الحقيقة الإنسانية والدينية لا تُختزَل في صورة منفصلة أو قيمة مستقلة، بل في التفاعل الديناميكي بينهما
المحاور الأساسية للفلسفة
1. في الدين والقرآن
• التشخيص يظهر في ظاهر الخطاب القرآني: آيات، أحكام، صور حسية يُدركها الإنسان.
• التجريد يتجلى في مقاصد الوحي: الرحمة، العدل، الحرية، المساواة، الكرامة.
• القرآن يتحرك بين الحرف والمعنى، بين الأمر والنور.
• الأحكام قابلة للقراءة التاريخية والاجتماعية دون أن تفقد بعدها المقاصدي الأزلي.
2. في الإنسان والوجود
• الإنسان مُشخّص في بُعده الأول: جسد، غرائز، حاجات، وجود بيولوجي.
• الإنسان مُجرّد في بُعده الثاني: روح، قيم، معنى، أخلاق.
• هذا التفريق يوضح العلاقة بين البشرية (المحدودة بالحواس والجسد) والإنسانية (المفتوحة على القيم والروح).
• الفؤاد مركز معالجة يجمع الحواس ويعيد إنتاجها في صورة معنى متكامل، ليس مجرد عاطفة.
3. في التشريع والقانون
• التشخيص يظهر في القوانين واللوائح التي تضبط السلوك الإنساني.
• التجريد يظهر في غايات هذه القوانين: تحقيق العدل، حماية الإنسان، ترسيخ الرحمة.
• الشريعة تُقرأ كـ صورة حكم + روح مقصد؛ واختلال التوازن يحوّل الدين إلى جمود أو فوضى.
4. في اللغة والخطاب
• اللغة في جانبها الأول مُشخّصة: ألفاظ، تراكيب، نحو وصرف.
• وفي جانبها الثاني مُجرّدة: معانٍ، رموز، دلالات، إيحاءات.
• الخطاب الديني والإنساني لا يُفهم إلا بجمع اللفظ والمعنى، البيان الظاهري والدلالة العميقة.
• هذا يفسّر سر خلود النص القرآني: قابليته للحركة بين التشخيص والتجريد.
5. في الإرادة والحرية
• الإرادة مشخّصة: قرارات محدودة بزمان ومكان.
• لكنها مُجرّدة: نزوع إلى الحرية، بحث عن معنى، اختيار بين الخير والشر.
• الإرادة مشروع يربط الإنسان بقوانين الكون من جهة، وبالقيم المطلقة من جهة أخرى.
6. في الأبعاد السبعة وتعدد الحيوات
• فلسفة التشخيص والتجريد اندمجت مع مشروع الأبعاد السبعة: تصور متعدد الطبقات للوجود والوعي.
• الإنسان لا يعيش حياة واحدة مغلقة، بل خبرات متراكمة (تعدد الحيوات) تشكّل نسيجًا بين التجسد والتجريد.
• التشخيص هو التجربة الملموسة للحياة اليومية، والتجريد هو تراكم المعنى العابر للزمن.
7. في العلوم والفكر
• العلم الحديث مُشخّص: تجارب، معادلات، مختبرات.
• لكنه يحتاج إلى بُعد مُجرّد: الفلسفة، المعنى، الغاية الأخلاقية.
• بذلك تُعالج إشكالية “العلم بلا قيم”، وتُستعاد العلاقة بين المعرفة والأخلاق.
الرسالة الفلسفية
تؤكد الفلسفة أن الإنسان والدين والعلم لا يُفهمون إلا عبر مستويين: صورة تحفظ النظام، وروح تحفظ المعنى. الصورة وحدها تؤدي إلى الجمود، والروح وحدها تؤدي إلى ضياع النظام. الكمال يكمن في التكامل بينهما.
الرسالة الإعلامية
• هذه الفلسفة ليست مجرد تنظير أكاديمي، بل مشروع إعلامي وفكري متواصل.
• عبر برنامج الأبعاد السبعة تصل الفكرة يوميًا لجمهور متنوّع، بلغة تجمع بين العمق الفلسفي والبساطة القريبة للعامة.
• فلسفة التشخيص والتجريد خطاب مزدوج الوجه: فلسفة للنخبة، ورسالة للباحث عن المعنى.
فلسفة التشخيص والتجريد تمثّل محاولة أصيلة لإعادة بناء الجسور بين الدين والفلسفة والعلم والمجتمع. إنها مشروع لفهم الإنسان ككائن مزدوج: مُشخّص في جسده وتاريخه، مُجرّد في روحه وقيمه، مقدّمًا إطارًا شاملًا لتجاوز الثنائيات العالقة (دين/علم، ظاهر/باطن، جسد/روح) نحو وحدة متوازنة